السبت، 17 أكتوبر 2015

مستويات تحليل رسوم الأطفال

أ/ مستويات تحليل رسوم الأطفال :     
vالتحليل الموقعي الخطي:
 يستقي هذا المستوى معظم معطياته من مبادئ علم الخط، وينقسم التحليل فيه إلى موقعين:
µموقع الوحدة في الصفحة: تشكل الصفحة البيضاء مجالا حيويا يستطيع المفحوص أن يعبر ضمنه ويتحرك ويتموقع فيه، حيث يمكن تقسيم الصفحة إلى أربعة أجزاء اليسار واليمين من ناحية ثم الأعلى والأسفل من ناحية ثانية، وذلك بواسطة خطين وهميين أحدهما أفقي والآخر عمودي يتقاطعان في وسط الصفحة، يمثل القسم الأيسر بشكل عام الماضي، النكوص، التشبت بالأم، الانغلاق، أما القسم الأيمن فيمثل على العكس المستقبل، النشاط والإقدام، الانفتاح، الطموح والاستقلال الذاتي([1])، ويمثل القسم الأيسر السفلي منطقة البداية الأصل، النزوات والسلوك البدائي، والقسم الأيسر العلوي، الميل إلى الخيال، أحلام اليقظة، الكسل، المتعة على نمط طفولي.
أما القسم الأيمن العلوي فيمثل منطقة الطموح، الآمال والمشاريع، الأهداف الحياتية الكبرى، والقسم الأيمن السفلي، التدهور، السقوط، والفشل، والشائع في الرسوم أنها تتموقع في وسط الصفحة مع غلبة في الميل إلى أحد المناطق. والرسم الذي يتمركز في الوسط دون الميل إلى إحدى المناطق فيشير إلى التمركز حول الذات وإعطائها الأهمية الأولى بالنسبة للمحيط، خصوصا إذا كان الرسم كبيرا نسبيا.

vالتعبير النفسي الحركي:
 يجمع العلماء على أن الخط والرسم تعبير نفسي حركي ينبئ بحالة النزوات حالة التوتر، حالة الامتداد والانكماش، درجة الوهن أو الحيوية... وكل حالات النشاط النفسي الحركي، فخطوط الرسم تنبؤنا بمستوى التوتر العصبي الفسيولوجي الناتج عن الحالة النفسية للشخص، إذ قد تكون للرسم خطوطا قوية، ثقيلة، قاسية تمزق الورق، أو ضعيفة وهذا يشير إما إلى حالة توتر شديد أو عدوانية في الحالة الأولى، وإما إلى كبت الطاقة الحيوية تحت وطأة مشاعر الإثم والخجل ثم انعدام الثقة بالنفس في الحالة الثانية. فأسلوب التعبير يتضح من خلال وثيرة الأداء، حيوية الخط، شدة الحركة، اتساع أو انكماش الأشكال،إذ أن الخطوط الدائرية المغلقة تشير إلى الميولات الأنثوية على عكس الخطوط الحادة التي تشير إلى الميول الذكورية والخطوط الصاعدة تشير إلى الإنطلاق والطموح أما النازلة فتشير إلى التراخ والفشل.
vالتحليل الشكلي:
تميل الأشكال في الرسوم إما إلى الحركة أو السكون إما مترابطة أو منفصلة، فالأشكال ذات الصفة الحركية والارتباطية تعبر عن أن أنماط حسية تجسيدية أو ما يسميه بعض العلماء الأنماط الصرعية بينما الأشكال التي تتميز بالجمود والسكون وينتابها التجزيئ والانفصال فهي تعبر عن الأنماط العقلانية التجريدية، حيث الميل إلى التوازن والتطابق، الدقة والصرامة في التصور.

vتحليل المحتوى:
يقتضى تحليل محتوى الرسوم، الرجوع إلى الموضوع أولا أي القصة التي يود الطفل أن يقصها لنا من خلال الرسم، ثم بعد ذلك إلى الدلالة أي إلى دلالة الألوان والتفاصيل التي يرسمها الطفل في الصفحة. ويعتبر موضوع الرسم ودلالته مرآة لشخصية الطفل، إذ هو تعبير إسقاطي عن تجاربه ومعاناته.

õاختبار رسم شخص مكتمل Dessin de bon homme:
هو اختبار غير لفظي، يطلب فيه من المفحوص رسم شخص مكتمل (ذكرا كان أم أنثى) وبعد ذلك نلاحظ وضعية الرسم بالنسبة للصفحة، وكذلك اكتمال جميع أعضاء الشخص المرسوم أو نسيان بعضها، ووضع كل عضو في محله، ثم هناك طريقة أخرى لاختبار رسم شخص مكتمل وهو خاص بالأطفال ما دون سن 6 سنوات، حيث تعطى لهم صفحة مرسوم فيها جزء من شخص ويطلب من المفحوص إكمال الرسم.
 وفي الإختبار الخاص بالكبار يطلب من الشخص أن يرسم إنساناً ذكراً أو أنثى بالطول الكامل . فيعبر المفحوص دون وعي منه، عن ملامح هامة في شخصيته وسلوكه .. وهو يسقط على الرسم  ما بداخله من اتجاهات وانفعالات وصراعات ويشكل لا شعوري مما يساعد على تفهم نقاط هامة في الشخصية سواء المرضية منها والطبيعية .
       وفي هذه الحلقات القادمة أجري الاختبار على عدد من المتعاونين بهدف الوصول إلى فوائد عملية وتطبيقية  من دراسة ملامح الشخصية بما يفيد المختصين  والمهتمين بهذا المجال ، وأيضاً بما يفيد القارئ العام ويعطي معلومات عملية عن هذا المجال الشيق والمفيد ..
والتحليلات والنتائج في هذه الحلقات يمكن إعتبارها ملاحظات أساسية ومبدئية، وبعضها متكرر في عدد من الرسوم كما أن بعضها مثير للاهتمام. ولابذ من دراسة تفصيلية على بعض العينات من الرسوم, للوصول إلى نتائج أفضل ومعايير تصحيح دقيقة نقدمها من خلال الحالتين التاليتين:

                                                               الحالة الأولى
( صاحب هذا الرسم شاب وعمره 35سنة )
http://www.hayatnafs.com/images/men_rasmek2.jpgخلاصة تحليل هذه الشخصية  :
         صاحب هذا الرسم يتمتع بذكاء واضح . وقدرة على تنظيم أفكاره . وهو يحب لفت الانتباه والاهتمام لشخصه ، ولديه القدرة على الاعتراض والنقد اللاذع ، وأيضاً التمرد على من هو أكبر منه سناً . وهو يستطيع الخروج على المألوف ويرغب بذلك . ولديه ذوق فني عال ، ويحب النظام والترتيب والدقة لدرجة  وسواسية . ولديه اندفاعات عاطفية وانفعالية وهو يحاول ضبطها وتقييدها ، كما أنه يخفي عواطفه عموماً . وهو يحب نفسه كثيراً ولكنه يسعى لأن يقبله الآخرون ، وهو يحب المغامرة والتجديد ، ولديه قلق داخلي شديد ، ويسعى  إلى التوازن والأمان والحماية . ويتميز بالسرية والتكتم ، والجدية ودقة النظر والحذر . ويحب أنواع الطعام ، ولديه رغبات اعتمادية على الآخرين . ومزاجه عصبي وهو حاد التعبير وعدواني ولا يرضى بسهولة .
                   ويتميز بالعقلانية ، والضبط الانفعالي ، وحب السيطرة ، ويمكنه إحاطة المشكلات وتقييدها دون أن يعيقه ذلك عن أداء أعماله . ولديه ضمير قاس ويحاسب نفسه على أخطائها بشدة .
                والاستنتاجات السابقة مأخوذة من الملاحظات التالية في الرسم :
1-      يظهر في الشكل تكامل أجزاء الجسم الإنساني وفي ذلك ذكاء وقدرة على تنظيم الأفكار ، وتحقيق المطلوب من اختبار الرسم ، وهو رسم الإنسان بالطول . الكامل إضافة إلى أن ذكورة الرسم متجانسة مع جنس المفحوص مما يوضح ثبات الهوية الجنسية وعدم اضطرابها
2-      يمثل الشكل شكلاً لمهرج أو بهلوان ويديه بوضعية استعراض .. وفي ذلك نوع من التمرد والخروج عن المألوف ، وأيضاً لفت للانتباه والاهتمام ودرجة من القوة والاعتراض والنقد .
3-      من الملاحظ ذوق فني عال ، ووجود تكرار في استعمال الأشكال وأيضاً في التناظر فيها مما يعكس البحث عن التوازن والتوازي وحب النظام والترتيب والدقة وبدرجة وسواسية .
4-      الوضعية العامة للشكل بحالة حركة وقفز للأعلى مع التأكيد على رسم خطوط متعددة للأرض .. وفي ذلك طفولية وحركة  ومغامرة وبحث عن الاستناد, وأيضاً يدل على وجود اندفاعات عاطفية وانفعالية ولكن بشكل محصور ومقيد ومسيطر عليه, حيث بدت القفزة وكأنها نصف قفزة أو قفزة خفيفة مشدودة ثانية إلى الأرضية، وفي ذلك زيادة في الضبط الانفعالي وإخفاء للعواطف. وتتأكد هذه الملاحظة من خلال استعمال الأشكال الهندسية في الرسم بدلاً عن الخطوط الاعتيادية .
5-      التوازن العام في الشكل يعكس النرجسية وحب الذات والبحث عن التقبل من الآخرين .
6-      وجود غطاء للرأس وقبعة بشكل مثلث مع التأكيد على الأرضية ، يعكس القلق العام ومحاولات للتوازن والبحث عن الأمان والحماية .
7-      معالم الوجه والانفعالات غير واضحة التعبير وفي ذلك إخفاء وسرية وتكتم وجدية . والشكل العام للوجه فيه حدة خاصة . والعيون الدائرية المفتوحة تدل على أهمية دقة النظر لدى المفحوص وأيضاً على الحذر والخوف ومحاولة ضبط ذلك .
8-      البطن دائري وكبير نسبياً وهناك تأكيد على منطقة البطن من خلال أشكال من مربعات صغيرة ثلاثة تمثل أزراراً ، وفي ذلك دلالة على رغبات الاحتواء والأخذ والاعتمادية والاتجاهات الفموية وحب الطعام والامتلاء ولاسيما أن الفم دائري ومفتوح .
9-      اليدين بشكل مثلث حاد وفي ذلك حدة وعدوانية . وتبرز الأشكال الحادة أيضاً في القدمين وفي الرأس والقبعة ، وهذه الأشكال الحادة الناتئة المتكررة تترافق مع أشكال دائرية ومربعة ومستطيلة ويعكس ذلك محاولات الضبط الانفعالي ، ولكن الصراع ظاهر وواضح لصالح الحدة والعصبية ، مما يدل على قلق الاتصال الاجتماعي ، وعلى غلبة المزاج العصبي والتمرد وعدم الرضا .
10-    من الملاحظ أن استعمال الخطوط في كل الرسم كان محدداً بشكل عقلاني ومسبق ومتعمد .. وهذه الخطوط مغلقة بشكل عام ومقفلة ومجزأة وفي ذلك تطور واضح للضبط الانفعالي وحب السيطرة وإحاطة المشكلات والانفعالات بشكل لا يؤثر على النتيجة العامة  وهي تكامل الشخصية والانجاز المطلوب .
11-    نظرة أخيرة لهذا الشكل .. الصعود والهبوط في الحركة العامة يدل على تغيرات في المزاج متناوبة ( سرور اكتئاب ) والمثلث الحاد فوق الرأس يمثل الضمير القاسي ومحاسبة النفس المستمرة على أخطائها .
  
                                 الحالة الثانية
( صاحبة هذا الرسم امرأة وعمرها 43سنة )
خلاصة تحليل الشخصية :
          صاحبة هذا الرسم تحب الترتيب والتناسق ، وتبحث عن القبول الاجتماعي . وهي اجتماعية ودبلوماسية ولكنها مترددة في كلامها ، لأنها انتقادية ولا توافق على أشياء كثيرة تجري حولها ، وهي حساسة للنقد ولديها حساسية موسيقية عالية ، وهي تحب ( القيل والقال ) ولكنها تنتقد نفسها وتحاسبها ، وذوقها العام جيد ومحافظ و(كلاسيكي ) ، ولديها ولع في  التوفير ، وهي مترددة في علاقاتها الاجتماعية ولديها أسرار كثيرة ، وهي قوية  وهجومية وتحاول ضبط ذلك ، كما أنها طموحة وتحب نفسها ولديها مخيلة هندسية جيدة .
والاستنتاجات السابقة مأخوذة من الملاحظات التالية في الرسم :
1-      الشكل العام فيه دقة وحساسية وأناقة ، وفيه تأكيد على الأنوثة من خلال الثياب والشعر وحلية الأذنين ( الأقراط / الحلق ) .
2-      هناك اهتمام عام بالتناظر في الشكل ويعكس ذلك حب الترتيب والتناسق والدقة وهذا من الصفات الوسواسية في شخصيتها . والابتسامة اجتماعية ودبلوماسية أساساً ولا تعبر عن الفرح والسعادة فهي ابتسامة  مرسومة بشكل أوتوماتيكي (آلي) ، كما أن التعبير العام للفم مع الوجه والعيون يدل على أنها تريد أن تقول شيئاً ولكنها لا تقول والنتيجة هي التردد والسكوت ، والحاجب الأيمن مرفوع بشكل واضح مقارنة مع الحاجب الأيسر ويدل ذلك على نقد وتذمر وإدانة وعدم رضا على ما يجري حولها ، ولكن دون نطق واضح خشية الرفض الاجتماعي وعدم  استحسان الآخرين ، ويعكس الحاجب المرفوع أيضاَ وجود المراقبة الذاتية القاسية  و( النفس اللوامة ) والنقد الذاتي المتكرر وأيضاً الحساسية للنقد .
3-      الأذنان كبيرتان بشكل واضح وهناك تأكيد إضافي عليهما من خلال رسم الحلية . ويدل كبر الأذنين على أهمية السماع  والإحساس الموسيقي والغنائي وأيضاً يدل على الاهتمام ( بالقيل والقال ) ، وثقب الأذنين مع الحلية  القاسية الكبيرة نسبياً ( وهي دائرية وطويلة ) .. يدل على الشعور بالذنب ومعاقبة النفس ، ولا سيما فيما يتعلق بالسماع والقيل والقال ونقل الكلام .
4-      الثياب محتشمة وفيها ذوق وأناقة ويدل ذلك على الاهتمام بالظهور بشكل محتشم ومقبول وأيضاً يدل على الذوق العام .
5-      اليدان منقبضة  والأصابع غير مفتوحة وغير واضحة مما يدل على الإخفاء والتستر ، ومن جهة أخرى يدل على التوفير وصعوبة الاتصال الاجتماعي بالآخرين والتردد في العلاقات الاجتماعية .
6-      الوضعية العامة للجسم واليدين ولاسيما عرض الكتفين الزائد مع اليدين المنقبضة والسواعد المنثنية يدل على وضعية استعداد هجومية  وعدوانية .. وفي ذلك مواجهة للجمهور وغضب وقوة ، ويدل على وجود مشاعر عدوانية مكبوتة وهي تحاول ضبطها وتعديلها من خلال الابتسامة الاجتماعية والوجه البريء ولكن هذه النزعات والمشاعر تظهر بشكل أو بآخر .
7-      الجسم يبدو طويلاً من خلال الساقين والقدمين ووضعية القامة المنتصبة كما أن الرقبة طويلة وفي ذلك  طموح وتعالي ورغبة في الطول.
8-      نظرة أخيرة لهذا الشكل .. نجد أن الخطوط المستعملة دقيقة وقليلة الشطب كما أن وضعية القدمين فيها مراعاة للرؤية الفراغية الهندسية من حيث الميل والاتجاه وفي ذلك مخيلة هندسية وفنية جيدة إضافة إلى الثقة بالنفس والنرجسية.



[1]/ Daniel Widlocher « L’interprétation des dessins d’enfants » Bruxelles, C.Dessart 1965, (p : 167).

0 التعليقات:

إرسال تعليق